كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


أطلق هنا الأمر بالتعوذ عند نهيق الحمر فاقتضى أنه لا فرق في طلبه بين الليل والنهار وخصه في الحديث الآتي في الليل، فإما أن يحمل المطلق على المقيد أو يقال خص الليل لأنه انتشار الشياطين فيه أكثر فيكون نهيق الحمير فيه أكثر فلو وقع نهاراً كان كذلك‏.‏

- ‏(‏حم ق د ت عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً النسائي في عمل يوم وليلة‏.‏

696 - ‏(‏إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه‏)‏ أي إذا أخبرتم مخبر بأن جبلاً من جبال الدنيا تحول وانتقل عن محله الذي هو فيه إلى محل آخر ‏(‏فصدقوا‏)‏ يعني لا تكذبوا فإنه لا يخرج عن دائرة الإمكان ‏(‏وإذا سمعتم برجل‏)‏ التنكير للتعظيم أي جليل كامل في الرجولية فغيره أولى ‏(‏زال عن خلقه‏)‏ بضمتين أو بضم فسكون طبعه وسجيته بأن فعل خلاف ما يقتضيه وثبت عليه ‏(‏فلا تصدقوا‏)‏ به كذا هي ثابتة في رواية أحمد أي لا تعتقدوا صحة ذلك بخروجه عن الإمكان إذ هو بخلاف ما تقتضيه جبلة الإنسان ولذلك قال ‏(‏فإنه يصير إلى ما جبل‏)‏ بالبناء للمجهول أي طبع ‏(‏عليه‏)‏ يعني وإن فرط منه على سبيل الندرة خلاف ما يقتضيه طبعه فما هو إلا كطيف منام أو برق لاح وما دام وتأتي الطباع على الناقل وحال المنطبع كالجرح يندمل على فساد فلا بد وأن ينبعث عن فتق ولو بعد حين وكما أن العضو المفلوج لا يطاوع صاحبه في تحريكه وإن جاهده فمتى يحركه إلى اليمين تحرك نحو الشمال فكذا المتطبع وإن جاهد نفسه فإن قواه تأبى مطاوعته وهذا الخبر صريح في أن حسن الخلق لا يمكن اكتسابه لكنه منزل على تعبير القوة نفسها التي هي السجية لا على أساسها‏.‏ قال الراغب‏:‏ الطبع أصله من طبع السيف وهو إيجاد الصورة المخصوصة في الحديد وكذا الطبيعة والغريزة لما غرز عليه وكل ذلك اسم للقوة التي لا سبيل إلى تغييرها والسجية اسم لما يسجى عليه الإنسان وأكثر ما يستعمل ذلك كله فيما لا يمكن تغييره لكن الخلق تارة يقال للقوة الغريزية وهو المراد هنا وتارة جعل اسماً للحالة المكتسبة التي يصير بها الإنسان خليقاً أن يفعل شيئاً دون شيء وتارة يجعل الخلق من الخلاقة أي الملابسة وكأنه اسم مأمون عليه الإنسان من العادة وهو الذي يقال باكتسابه فجعل الخلق مرة للهيئة الموجودة في النفس التي يصدر عنها الفعل بلا فكر ومرة اسماً للفعل الصادر عنه باسمه وعلى ذلك أسماء أنواعها من نحو عفة وعدالة وشجاعة فإن ذلك يقال للهيئة والفعل جميعاً‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ من حديث الزهري ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الطيبي ما يكون الذي يحدث من الحوادث أهو شيء مقضي أو شيء يتجدد آنفاً ومن قال فإنه يصير إلخ يعني الأمر على ما قدر وسبق حتى العجز والكيس فإذا سمعتم أن الرجل الكيس يصير بليداً أو بالعكس وأن العاجز يرجع قوياً وعكسه فلا تصدقوا به، وضرب بزوال الجبل مثلاً تقريباً للأفهام فإن هذا ممكن الزوال بالخلق المقدر عما كان في القدر، قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح إلا أن الزهري لم يدرك أبا الدرداء وقال السخاوي‏:‏ حديث منقطع وبه يعرف ما في رمز المؤلف لصحته‏.‏

697 - ‏(‏إذا سمعتم من يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه‏)‏ أي قولوا له اعضض بظر أمّك ‏(‏ولا تكنوا‏)‏ عن ذلك بما لا يستقبح فإنه جدير بأن يستهان به ويخاطب بما فيه قبح وهجر زجراً له عن فعله الشنيع وردعاً له عن قوله الفظيع‏.‏

- ‏(‏حم ن حب طب والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أبيّ‏)‏ ابن كعب وفي الباب وغيره أيضاً‏.‏

698 - ‏(‏إذا سمعتم نباح الكلاب‏)‏ بضم النون وكسرها صياحه ‏(‏ونهيق الحمير‏)‏ صوتها جمع حمار، والنهاق بضم النون ‏(‏بالليل‏)‏ ‏[‏ص 382‏]‏ خصه لأن انتشار الشياطين والجن فيه أكثر وكثرة فسادهم فيه أظهر فهو بذلك أجدر وإن كان النهار كذلك في طلب التعوذ ‏(‏فتعوذوا بالله‏)‏ ندباً ‏(‏من الشيطان فإنهن يرين‏)‏ من الجن والشياطين ‏(‏ما لا ترون‏)‏ أنتم يا بني آدم فإنهم مخصوصون بذلك دونكم ‏(‏وأقلوا الخروج‏)‏ من منازلكم ‏(‏إذا هدأت‏)‏ بالتحريك سكنت ففي القاموس هدأ كمنع‏:‏ سكن ‏(‏الرجل‏)‏ بكسر فسكون أي سكن الخلق عن المشي بأرجلهم في الطرق ‏(‏فإن الله عز وجل يبث‏)‏ يفرق وينشر ‏(‏في ليله من خلقه ما يشاء‏)‏ من إنس وجن وشياطين وهوام وغيرها، فمن أكثر الخروج حين ذاك لغير غرض شرعي أوشك أن يحصل له أذى لمخالفته للمشروع‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وقوله ما يشاء مفعول لقوله يبث وهو عام في كل ذي شر ومن خلقه بيان مات ‏(‏وأجيفوا الأبواب‏)‏ أغلقوها ‏(‏واذكروا اسم الله عليها فإن الشياطين لا تفتح باباً أجيف‏)‏ أي أغلق ‏(‏وذكر اسم الله عليه‏)‏ يعني لم يؤذن لهم في ذلك من قبل مخالفتهم ‏(‏وغطوا الجرار‏)‏ جمع جرة وهو إناء الماء المعروف ‏(‏وأوكثوا‏)‏ بالقطع والوصل كما في القاموس وكذا ما بعده ‏(‏القرب‏)‏ جمع قربة وهو وعاء الماء ‏(‏وأكفئوا الآنية‏)‏ جمع إناء أي اقلبوها لئلا يدب عليها شيء أو تتنجس‏.‏

- ‏(‏حم خد د حب ك عن جابر‏)‏ قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال البغوي حديث حسن‏.‏

699 - ‏(‏إذا سمعتم‏)‏ أيها المؤمنون الكاملون الإيمان الذي استضاءت قلوبهم من مشكاة النبوة ‏(‏الحديث عني تعرفه قلوبكم‏)‏ أي تقبله وتشهد بحسنه ‏(‏وتلين له أشعاركم‏)‏ جمع شعر ‏(‏وأبشاركم‏)‏ جمع بشرة ‏(‏وترون‏)‏ أي تعلمون ‏(‏أنه منكم قريب‏)‏ أي قريب إلى أفهامكم وأحكام دينكم ولا يأبى قواعد علومكم أيها المتشرعة ‏(‏فأنا أولاكم به‏)‏ أحق به في القبول المؤدي إلى العمل بمقتضاه لأن ما أفيض على قلبي من المعارف وأنوار اليقين أكثر من بقية الأنبياء فضلاً عنكم ‏(‏وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه بعيد منكم فأنا أبعدكم منه‏)‏ لما ذكر ولذلك جزم أئمتنا الشافعية بأن كل حديث أوهم باطلاً ولم يقبل التأويل فمكذوب عليه لعصمته أو نقص منه من جهة رواية ما يزيل الوهم الحاصل بالنقص منه وذلك أن الله بعث رسله إلى خلقه لبيان الأمور ومعرفة التدبير وكيف وكم، وكنه الأمور عنده مكنون، فأفشى منه إلى الرسل ما لا يحتمله عقول غيرهم ثم منهم إلى العلماء على قدر طاقتهم ثم إلى العامة على قدر حالهم فالعلم بحر يجري منه واد ثم من الوادي نهر ثم من النهر جدول فساقية فلو جرى إلى ذلك الجدول لغرقه ولو مال البحر على الوادي لأفسده فمن تكلم بشيء من الهدى فالرسول سابق له وإن لم يتكلم بذلك اللفظ فقد أتى بأمثلة مجملة فلهذا كان أولى فإذا كان الكلام غير منكر عند العلماء العاملين فهو قول الرسول وإذا كان منكراً عندهم فليس قوله وإن روى عنه فلخطأ أو سهو من بعض الجهلة أو وضع من بعض الزنادقة أو الجهلة وذلك لأنه إذا وقع ذكر الحق على القلب التقى نوره ونور اليقين فامتزجا واطمأن القلب فيعلم أنه حق وإذا وقع عليه باطل لاقت ظلمته القلب المشرق بنور اليقين فينفر النور ولم يمتزج معه فاضطرب القلب وجاش‏.‏ ففرق ما بين كلام النبوة وكلام غيرهم لائح واضح عند العلماء بالله وبأحكامه العاملين عليها‏.‏ وأخرج ابن سعد عن الربيع ابن خيثم قال‏:‏ إن من الحديث ‏[‏ص 383‏]‏ حديثاً له ضوء كضوء النهار تعرفه وإن منه حديثاً له ظلمة كظلمة الليل تنكره أما المخلط المكب على شهوات الدنيا المحجوب عن الله بالظلمات والكدورات فأجنبي من هذا المقام‏.‏

أفاد الخبر أن بعض المنسوب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم من المقطوع بكذبه وعلى ذلك جرى صحبنا في الأصول فقالوا‏:‏ وما فتش عنه من الحديث ولم يوجد عند أهله من المقطوع بكذبه لقضاء العادة بكذب ناقله وقيل لا يقطع بكذبه لتجوز العقل صدق ناقله‏.‏

- ‏(‏حم ع‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن أبي أسيد بضم الهمزة بضبط المؤلف كذا وقفت عليه في مسودته والصواب خلافه ففي أسد الغابة أبو أسيد بفتح الهمزة وقيل بضمها قال والصواب الفتح قاله أبو عمر انتهى‏.‏ وكان ينبغي للمؤلف تمييزه فإنه في الصحب متعدد منهم أبو أسيد بن ثابت الأنصاري وأبو أسيد الساعدي البدري وهو المراد أو أبي حميد‏)‏ شك الراوي قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح انتهى وزعم أنه معلول خطأ فاحش ورواه الحكيم عن أبي هريرة بلفظ إذا حدثتم بحديث تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف قال الحكيم فمن تكلم بشيء بعد الرسول من الحر فالرسول سابق إلى ذلك القول وإن لم يكن تكلم لأنه جاء بالأصل والأصل مقدم على الفرع فجاء بالأصل وتكلم من بعده بالفرع قال وهذا في الكامل أما المخلط المكب على الشهوات المحجوب عن الله فليس هو المعنيّ بهذا الحديث لأن صدره مظلم فكيف يعرف الحق فالمخاطب من كان طاهر القلب عارفاً بالله حق معرفته الذي تزول بدعائه الجبال‏.‏

700 - ‏(‏إذا سمعتم بالطاعون‏)‏ فاعول، قال في النهاية وهو المرض العام والوباء الذي يفسد به الهوى فتفسد به الأمزجة ‏(‏بأرض‏)‏ أي بلغكم وقوعه ببلد ومحلة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الباء الأولى زائدة على تضمن سمعتم معنى أخبرتم وبأرض حال ‏(‏فلا تدخلوا عليه‏)‏ أي يحرم عليكم ذلك لأن الإقدام عليه تهور وجرأة على خطر وإيقاع النفس في معرض التهلكة والعقل يمنعه والشرع يأباه قال القاضي‏:‏ وفيه النهي عن استقبال البلاء لما ذكر ‏(‏وإذا وقع وأنتم بأرض‏)‏ أي والحال أنكم فيها ‏(‏فلا تخرجوا منها فراراً‏)‏ أي بقصد الفرار منه يعني يحرم عليكم ذلك لأنه فرار من القدر وهو لا ينفع والثبات تسليم لما لم يسبق منه اختيار فيه ولتظهر مزية هذه الأمة على من تقدمهم من الأمم الفارين منه بما يكون من قوة توكلهم وثبات عزمهم كما أظهر الله مزيتهم بما آتاهم من فضله ورحمته التي ينور بها قلوبهم فزعم أن النهي تعبدي قصور قال التاج السبكي مذهبنا وهو الذي عليه الأكثر أن النهي عن الفرار للتحريم أما لو لم يقصد الفرار كأن خرج لحاجة فصادف وقوعه فلا يحرم وكذا لو خرج لحاجة وله على ما بحثه بعض الشافعية واستدل البخاري به على بطلان الحيل قالوا‏:‏ وهو من دقة فهمه فإنه إذا نهى عن الفرار من قدر الله إذا نزل رضي بحكمه فكيف الفرار من أمره ودينه إذا نزل‏.‏

- ‏(‏حم ق ن عن عبد الرحمن بن عوف، عن أسامة بن زيد‏)‏ وفي الحديث قصة عند الشيخين وغيرهما وهي أن عمر خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرع لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة وأصحابه فأخبروه أن الوباء واقع بالشام فقال عمر لابن عباس ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم فاختلفوا فقال بعضهم خرجت لأمر فلا نرى أن ترجع وقال بعضهم معك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدم عليه قال ارتفعوا عني ثم دعا الأنصار فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين فقال ارتفعوا ثم قال ادع لي من هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعاهم فلم يختلف عليه رجلان فقالوا نرى أن ترجع بالناس فنادى إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه ‏[‏ص 384‏]‏ فقال أبو عبيدة أفراراً من قدر الله‏؟‏ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة - وكان عمر يكره خلافه - نعم نفر من قدر الله إلى قضاء الله فجاء ابن عوف وكان متغيباً فقال إن عندي من هذا علماً إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره‏.‏

701 - ‏(‏إذا سمعتم بقوم‏)‏ في رواية بركب، وفي أخرى بجيش ‏(‏قد خسف بهم‏)‏ أي غارت بهم الأرض وذهبوا فيها ويحتمل أنهم جيش السفياني ويحتمل غيره ‏(‏ههنا قريباً‏)‏ أي بالبيداء اسم مكان بالمدينة ‏(‏فقد أظلت الساعة‏)‏ أي أقبلت عليكم ودنت منكم كأنها ألقت عليكم ظلة يقال أظلك فلان إذا دنا منك وكل شيء دنا منك فقد أظلك‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز أظل الشهر والشتاء وأظلكم فلان أقبل، وفيه دليل للذاهبين إلى وقوع الخسف في هذه الأمّة، وتأويل المنكرين بأن المراد خسف القلوب يأباه ظاهر الحديث وإن أمكن في غيره‏.‏

- ‏(‏حم ك في‏)‏ كتاب ‏(‏الكنى‏)‏ والألقاب ‏(‏طب عن بقيرة‏)‏ بضم الموحدة وفتح القاف بضبط المؤلف تصغير بقرة ‏(‏الهلالية‏)‏ امرأة القعقاع قالت إني جالسة في صفة النساء فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يشير بيده اليسرى ويقول يا أيها الناس إذا سمعتم إلخ وقد رمز لحسنه وهو كما قال إذ غاية ما فيه أن فيه ابن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وبقية رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح‏.‏

702 - ‏(‏إذا سمعتم المؤذن‏)‏ أي أذانه بأن فسرتم اللفظ فلو رآه على المنارة في الوقت أو سمع صوتاً وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع ألفاظه لنحو بعد أو صمم لم تشرع الإجابة كما مر ‏(‏فقولوا‏)‏ ندباً ‏(‏مثل ما يقول‏)‏ أي شبهه في مجرد القول لا الصفة كما مر ‏(‏ثم‏)‏ بعد فراغ الإجابة ‏(‏صلوا عليّ‏)‏ ندباً وصرفه عن الوجوب الإجماع على عدمه خارج الصلاة والعطف على ما ليس بواجب ليس بواجب على الصحيح ودلالة الاقتراب على مقابله ‏(‏فإنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏من صلى عليّ صلاة‏)‏ أي مرة بقرينة المقام مع ما ورد مصرحاً به ‏(‏صلى الله عليه بها‏)‏ أي بالصلاة ‏(‏عشراً‏)‏ رتبها على الأولى لأنها من أعظم الحسنات، و ‏{‏من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها‏}‏ وروى أحمد عن ابن عمر موقوفاً‏:‏ من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين وهذا في حكم الرفع ولعله أكبر أو لا بالقلبل ثم زيد فأخبر به ‏(‏ثم سلوا الله لي الوسيلة‏)‏ مر معناها لغة لكنه فسرها بقوله ‏(‏فإنها منزلة في الجنة‏)‏ سميت به لأن الواصل إليها يكون قريباً من الله ‏(‏لا ينبغي‏)‏ أي لا يليق إعطاؤها ‏(‏إلا لعبد‏)‏ أي عظيم كما يفيده التنكير ‏(‏من عباد الله وأرجو‏)‏ أي أؤمل ‏(‏أن أكون أنا هو‏)‏ أي أنا ذلك العبد، وذكره على طريق الترجي تأدباً وتشريعاً لأنه إذا كان أفضل الأنام فلمن يكون ذلك المقام‏.‏ قال الطيبي‏:‏ قيل إن هو‏:‏ خبر كان وضع بدل إياه، ويحتمل أن لا يكون أنا للتأكيد بل مبتدأ وهو خبر والجملة خبر أكون، ويمكن أن هذا الضمير وضع موضع اسم الإشارة‏:‏ أي أن أكون أنا ذلك العبد ‏(‏فمن سأل‏)‏ الله ‏(‏لي‏)‏ من أمتي ‏(‏الوسيلة‏)‏ أي طلبها لي ‏(‏حلت عليه الشفاعة‏)‏ أي وجبت وجوباً واقعاً عليه أو نالته ونزلت به سواء كان صالحاً أو طالحاً‏.‏ فالشفاعة تكون لزيادة الثواب وإسقاط العقاب، ففيه حجة على المعتزلة حيث خصوها بالصالح لزيادة الثواب، وفي الإتحاف قوله حلت عليه الشفاعة أي غشيته وجللته، وليس المراد أنها كانت حراماً ثم حلت له‏.‏

- ‏(‏حم م 3 عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص‏.‏

‏[‏ص 385‏]‏ 703 - ‏(‏إذا سميتم فعبدوا‏)‏ بالتشديد بضبط المصنف‏:‏ أي إذا أردتم تسمية نحو ولد أو خادم فسموه بما فيه عبودية لله تعالى كعبد الله وعبد الرحمن لأن التعليق بين العبد وربه إنما هو العبودية المحضة والاسم مقتض لمسماه فيكون عبد الله وقد عبده بما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل كونها لغيره

- ‏(‏الحسن بن سفيان‏)‏ النسوي الحافظ صاحب المسند والأربعين، ثقة تفقه على أبي ثور وكان يفتي بمذهبه‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ كان عديم النظير وهذا الحديث رواه في مسنده عن أبي زهير وفيه شيخ مجهول ‏(‏والحاكم في‏)‏ كتاب ‏(‏الكنى‏)‏ ومسدد وأبو نعيم وابن منده في الصحابة ‏(‏طب عن أبي زهير‏)‏ بن معاذ بن رباح ‏(‏الثقفي‏)‏ بفتح المثلثة والقاف نسبة إلى ثقيف كرغيف قبيلة مشهورة واسمه معاذ ويقال عمار قال الهيتمي وفيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف جداً أهـ وجزم شيخه العراقي بضعفه‏.‏ وقال في الفتح في إسناده ضعف‏.‏

704 - ‏(‏إذا سميتم فكبروا‏)‏ ندباً قال في الفردوس ‏(‏يعني‏)‏ قولوا ‏(‏على الذبيحة‏)‏ عند الذبح باسم الله والله أكبر ثلاثاً‏.‏ وفيه طلب التسمية عند الذبح فيقول بسم الله ولا يزيد الرحمن الرحيم لعدم مناسبته للذبح، وهي سنة مؤكدة عند الشافعي، وأوجبها غيره تمسكاً بظاهر آية ‏{‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏}‏ قلنا المراد به ما ذبح للأصنام بدليل ‏{‏فإنه رجس‏}‏ ثم إن ما ذكر من الأمر بالتكبير مع التسمية خاص بالأضحية دون غيرها لأن وقت الأضحية وقت التكبير بخلاف غيرها نص على ذلك الشافعي رضي الله تعالى عنه‏.‏

- ‏(‏طس عن أنس‏)‏ قال الهيتمي فيه عثمان القرشي وهو ضعيف ومحمد بن حمران وفيه مقالة‏.‏

705 - ‏(‏إذا سميتم‏)‏ الولد من أولادكم أو نحوهم ‏(‏محمداً فلا تضربوه‏)‏ في غير حدّ أو تأديب ‏(‏ولا تحرموه‏)‏ من البر والإحسان إكراماً لمن تسمى باسمه ‏.‏

نقل الأذرعي عن بعض حنابلة عصره أنه أفتى بمنع اليهود والنصارى من التسمية بمحمد أو أحمد أو أبي بكر أو عمر أو الحسن أو الحسين ونحوهما وأن بعض ضعفاء الشافعية تبعه ثم قال ولا أدري من أين لهم ذلك وإن كانت النفس تميل إلى المنع من الأولين خوف السب والسخرية، وفيه شي، فإن من اليهود من تسمى بعيسى والنصارى بموسى ولم ينكروا على ممر الزمان وأما غير ذلك - أي من الأسماء - فلا أدري له وجهاً، نعم روي أن عمر نهى نصارى الشام أن لا يكتنوا بكنى المسلمين، ويقوي ذلك فيما تضمن مدحاً وشرفاً كأبي الفضل والمحاسن والمكارم والمحبة أنهم إن سموا بمعظم عندنا دونهم فإن قامت قرينة على نحو استهزائهم أو استخفافهم بنا منعوا وإلا كأن سموا أولادهم فلا، لاقتضاء العادة بأن الإنسان لا يسمي ولده إلا بما يحب‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده عن غسان بن عبيد عن يوسف بن نافع عن أبي الموال عن ابن أبي رافع ‏(‏عن‏)‏ أبيه ‏(‏أبي رافع‏)‏ إبراهيم أو أسلم أو صالح القبطي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان أولا للعباس‏.‏ قال الهيتمي رواه البزار عن شيخه غسان بن عبيد وثقه ابن حبان وفيه ضعف‏.‏

706 - ‏(‏إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه‏)‏ أي وقروه وعظموه ‏(‏وأوسعوا له في المجلس‏)‏ عطف خاص على عام للاهتمام ‏(‏ولا تقبحوا له وجهاً‏)‏ أي لا تقولوا له قبح الله وجهك ولا تنسبوه إلى القبح في شيء من أقواله وأفعاله، وكنى بالوجه عن الذات ‏.‏

أخرج ابن عدي عن جابر مرفوعاً ‏:‏ ما أطعم طعاماً على مائدة ولا جلس عليها وفيها اسمي إلا قدموا كل يوم مرتين وأخرج الطرائفي وابن الجوزي عن عليّ مرفوعاً‏:‏ ما اجتمع قوم قط في مشورة فيهم رجل اسمه محمد ‏[‏ص 386‏[‏لم يدخلوه في مشورتهم إلا لم يبارك لهم فيه‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة محمد العلوي ‏(‏عن علي‏)‏ ورواه عنه أيضاً الحاكم في تاريخه والديلمي‏.‏

707 - ‏(‏إذا شرب أحدكم‏)‏ الماء كما يدل عليه قوله في حديث‏:‏ إذا شربتم الماء، ويلحق به غيره من المائع كلبن وعسل ‏(‏فليتنفس‏)‏ ندباً ‏(‏في‏)‏ داخل ‏(‏الإناء‏)‏ فيكره لأنه يقذره ويغير ريحه ‏(‏وإذا أتى الخلاء‏)‏ أي المحل الذي تقضى فيه الحاجة ‏(‏فلا يمس‏)‏ الرجل ‏(‏ذكره بيمينه‏)‏ أي بيده اليمنى حال قضاء الحاجة ولا تمس المرأة فرجها بيمينها فيكره، ولو خلق له ذكران أو فرجان تعلقت الكراهة بهما وإن تحققت زيادة أحدهما كما اقتضاه إطلاقه ‏(‏ولا يتمسح بيمينه‏)‏ أي لا يستنجي بها فيكره عند الجمهور كما مر، أما التمسح بها بأن يجعلها مكان الحجر فيزيل بها النجاسة فحرام ‏(‏فإن قلت‏)‏ ما المناسبة بين تعليمه آداب الشرب وآداب قضاء الحاجة ‏(‏قلت‏)‏ وجهه أن الإنسان إذا شرب بال ما شربه فاحتاج إلى مس الفرج حال خروجه فلما ذكر حكم المدخل ناسب ذكر حكم المخرج‏.‏

- ‏(‏خ ت عن أبي قتادة‏)‏ ظاهره أنه لم يروه من الستة غيرهما ولا كذلك فقد قال المناوي رواه الجماعة كلهم عن أبي قتادة واسمه الحارث بن ربعي الأنصاري‏.‏

708 - ‏(‏إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء‏)‏ عام في كل إناء فإنه يقذره فتعافه النفس ولأنه من فعل البهائم فمن فعله فقد تمثل بهم، قال العراقي‏:‏ فالنهي محمول على الكراهة لا التحريم اتفاقاً والمراد به أن يتنفس في أثناء شربه من الإناء من غير أن يرفع فمه عنه ‏(‏فإذا أراد أن يعود‏)‏ إلى الشرب ‏(‏فلينح الإناء‏)‏ أي يزيله ويبعده عن فيه ثم يتنفس ‏(‏ثم ليعد‏)‏ بعد تنحيته ‏(‏إن كان يريد‏)‏ المزيد، ولا ينافيه خبر‏:‏ كان إذا شرب تنفس ثلاثاً لأنه كان يتنفس خارج الإناء‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ من رواية الحارث بن أبي ذئاب عن عمه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ رمز المؤلف لحسنه‏.‏

709 - ‏(‏إذا شرب أحدكم فليمص‏)‏ ندباً ‏(‏الماء مصاً‏)‏ مصدر مؤكد لما قبله‏:‏ أي ليأخذه في مهلة ويشربه شرباً رفيقاً ‏(‏ولا يعب عباً‏)‏ أي لا يشرب بكثرة من غير تنفس‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المستعار قوله لمن مر في كلامه فأكثر قد عب عبابة ‏(‏فإن الكباد‏)‏ كغراب وجع الكبد، وكسحاب الشدة والضيق، والأول هو المراد، ولا يصح إرادة الثاني إلا بتكلف ‏(‏من العبّ‏)‏ بفتح المهملة قال ابن القيم‏:‏ المراد وجع الكبد وقد علم بالتجربة أن هجوم الماء دفعة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها بخلاف وروده بالتدريج، ألا ترى أن صب الماء البارد على القدر وهي تفور يضر، وبالتدريج لا‏؟‏ ومن آفات النهل دفعة أن في أول الشرب يتصاعد البخار الدخاني الذي يغشى الكبد والقلب لورود البارد عليه فإذا شرب دفعة وافق نزول الماء صعود البخار فيتصادمان ويتدافعان فيحدث منه أمراض رديئة‏.‏

- ‏(‏ص وابن السني، حل في‏)‏ كتاب ‏(‏الطب‏)‏ النبوي ‏(‏هب‏)‏ كلهم ‏(‏عن ابن أبي حسين مرسلاً‏)‏ هو عبد الله بن عبد الرحمن ابن الحارث المكي النوفلي ثقة خرج له الجماعة‏.‏

710 - ‏(‏إذا شربتم الماء فاشربوه مصاً ولا تشربوه عباً فإن العب يورث الكباد‏)‏ أي يتولد منه وجع الكبد لأن مجمع ‏[‏ص 387‏]‏ العروق عند الكبد ومنه ينقسم إلى العروق وإذا شربتم عباً في دفعة واحدة صباً لا مصاً لم تحتمله العروق ويتولد منه السدد فيصير خاماً فيقوي البلغم ويورث ذلك كسلاً عن القيام بأعباء العبادة وهذا من محاسن حكته، والمص شرب في مهلة، والعب تتابع الشرب من غير تنفس‏.‏

- ‏(‏فر عن عليّ‏)‏ وفيه محمد بن خلف قال ابن المناوي فيه لين عن موسى المروزي قال الذهبي عن الدارقطني‏:‏ مترروك لكن يتقوى بما قبله‏.‏

711 - ‏(‏إذا شربتم فاشربوا مصاً، وإذا استكتم فاستاكوا عرضاً‏)‏ بفتح فسكون أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها فيكره طولاً لأنه يدمي اللثة ويفسد عمود الأسنان لكنه يجزئ ولا يكره في اللسان لخبر أبي داود ولفقد العلة‏.‏

- ‏(‏د في مراسيله عن عطاء بن أبي رباح‏)‏ بفتح الراء وخفة الموحدة واسم أبي رباح أسد القرشي مولاهم المكي فقيه ثقة ‏(‏مرسلاً‏)‏ رمز لضعفه اغتراراً بقول ابن القطان فيه محمد بن خالد لا يعرف، وفاته أن الحافظ ابن حجر ردّه على ابن القطان بأن محمداً هذا وثقه ابن معين وابن حبان والحديث ورد من طريق للبغوي والعقيلي والطبراني وابن عدي وابن منده وغيرهم بأسانيد، قال ابن عبد البر فيها اضطراب لكن اجتماعها أحدث قوة صيرته حسناً‏.‏

712 - ‏(‏إذا شربتم اللبن‏)‏ أي فرغتم من شربه ‏(‏فتمضمضوا‏)‏ إرشاداً أو ندباً بالماء ‏(‏منه‏)‏ أي من أثره وفضلته، وعلل ذلك بقوله ‏(‏فإن له دسماً‏)‏ وقيس باللبن المضمضة من ذي دسم بل أخذ من مضمضته صلى الله عليه وسلم من السويق ندبها في غير ما له دسم أيضاً إذا كان يعلق منه شيء بين الأسنان أو نواحي الفم، وذكر بعض الأطباء أن بقايا اللبن يضر باللثة والأسنان، وللمضمضة عند الأكل وشرب غير الماء فوائد دينية منها سلامة الأسنان من الحفر ونحوه إذ بقايا المأكول يورثه، وسلامة الفم من البخر وغير ذلك، والصارف للأمر بالمضمضة هنا عن الوجوب ما رواه الشافعي عن ابن عباس أنه شرب لبناً فمضمض فمه ثم قال لو لم أتمضمض ما باليت، وما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أنس أنه عليه السلام شرب لبناً فلم يتمضمض ولم يتوضأ، وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخاً لحديثنا ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج لدعوى النسخ‏.‏

- ‏(‏ه عن أم سلمة‏)‏ بفتح السين واللام، وهي أم المؤمنين رمز لحسنه فأوهم أنه غير صحيح وهو غير صحيح فقد قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه إسناده صحيح وأطال في تقريره وبيان حال رجاله واحداً واحداً وأنهم موثقون، ورواه مسلم من حديث ابن عباس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض وقال إن له دسماً‏.‏

713 - ‏(‏إذا شهدت إحداكن العشاء‏)‏ أي أرادت حضور صلاتها مع الجماعة بنحو مسجد‏.‏ وفي رواية مسلم بدل العشاء المسجد ‏(‏فلا تمس طيباً‏)‏ من طيب النساء قبل الذهاب إلى شهودها أو معه لأنه سبب للافتتان بها بخلافه بعده في بيتها، وفيه إشعار بأنهن كن يحضرن العشاء مع الجماعة، ولجواز شهودهن العشاء مع الجماعة شروط مرت، وتخصيص العشاء ليس لإخراج غيرها بل لأن تطيب النساء إنما يكون غالباً في أول الليل، قال ابن دقيق العيد‏:‏ ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة ‏(‏فإن قلت‏)‏ فلم اقتصر في الحديث على الطيب ‏(‏قلت‏)‏ لأن الصورة أن الخروج ليلاً، والحلي وثياب الزينة مستورة بظلمته، وليس لها ريح يظهر فإن فرض ظهوره كان كذلك ‏(‏فإن قلت‏)‏ فلم نكر الطيب ‏(‏قلت‏)‏ ليشمل كل نوع من الأطياب التي يظهر ريحها‏.‏ فإن ظهر لونه وخفي ريحه فهو كثوب الزينة، فإن فرض أنه لا يرى لكونها متلففة وهي في ظلمة الليل ‏[‏ص 388‏]‏ احتمل أن لا تدخل في النهي‏.‏

- ‏(‏حم ن عن زينب‏)‏ بنت معاوية أو أبي معاوية بن عثمان ‏(‏الثقفية‏)‏ امرأة عبد الله بن مسعود صحابية‏.‏ قال الكلاباذي‏:‏ اسمها رائطة المعروفة بزينب‏.‏

714 - ‏(‏إذا شهدت أمة من الأمم وهم أربعون فصاعداً‏)‏ أي فما فوق ذلك أي شهدوا للميت بالخير وأثنوا عليه، وليس المراد الشهادة عند قاض ولا الإتيان بلفظ أشهد بخصوصه ‏(‏أجاز الله تعالى شهادتهم‏)‏ أي نفذها ومضاها وصيره مع أهل الخير وحشره معهم، ولا يتجه أن يقال معنى شهدت حضرت من الشهود الحضور للصلاة عليه لأنه لا يلائمه قول أجاز شهادتهم إذ يصير المعنى أجاز حضورهم‏.‏ قال النيسابوري‏:‏ وحكمة الأربعين أن لم يجتمع أربعون إلا ولله فيهم عبد صالح، ولا ينافي ذلك رواية مئة لاحتمال أنه أوحي إليه بقبول شهادة مئة فأخبر به ثم بأربعين على أنه لا يلزم من الأخبار بقبول شهادة المئة منع قبول ما دونها بناء على أن مفهوم العدد غير حجة‏.‏ وهو رأي الجمهور ‏(‏تتمة‏)‏ روى ابن عساكر عن عمرو بن العلاء لما دلى الأحنف في حفرته أقبلت بنت لأوس بن مغراء على راحلتها وهي عجوز فوقفت عليه وقالت من الموافي به حفرته لوقت حمامه‏؟‏ قالوا الأحنف قالت ليت كنتم سبقتمونا إلى الاستمتاع به في حياته لا تسبقونا إلى الثناء عليه بعد وفاته ثم قالت لله درك من محسن في حنن مدرج في كفن نسأل الله الذي ابتلانا بموتك وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في قبرك ويغفر لك يوم حشرك ثم قالت أيها الناس‏:‏ إن أولياء الله في بلاده، هم شهوده على عباده، وإنا لقائلون حقاً، ومثنون صدقاً، وهو أهل لحسن الثناء، أما والذي رفع عملك عند انقضاء أجلك لقد عشت مودوداً حميداً، ومت سعيداً فقيداً، ولقد كنت عظيم الحلم فاضل السلم، رفيع العماد، واري الزناد، منيع الحريم، سليم الأديم، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد، فرحمنا الله وإياك‏.‏

- ‏(‏طب والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن والد أبي المليح‏)‏ اسم الوالد أسامة بن عمير وهو صحابي واسم أبي المليح عامر‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه صالح بن هلال مجهول على قاعدة أبي حاتم أي دون غيره، ففي تجهيله خلف، فالأوجه تحسين الحديث‏.‏

715 - ‏(‏إذا شهر المسلم على أخيه‏)‏ في النسب أو الدين ‏(‏سلاحاً‏)‏ أي انتضاه من غمده وهوى إليه به لقتله ظلماً ‏(‏فلا تزال الملائكة تلعنه‏)‏ أي تدعو عليه بالطرد والبعد عن الرحمة إن استحل ذلك وإلا فالمراد بلعنها إياه سبه وشتمه والدعاء عليه بالإبعاد عن منازل الأبرار ‏(‏حتى‏)‏ أي إلى أن ‏(‏يشيمه‏)‏ بفتح المثناة تحت وكسر المعجمة أي يغمده والشيم من الأضداد يكون سلاً ويكون إغماداً ‏(‏عنه‏)‏ وهذا في غير العادل مع الباغي فللإمام وحزبه قتال البغاة بشرطه وفي غير دفع الصائل فللمصول عليه الدفع عن نفسه بالأخف وإن أفضى إلى قتل الصائل هدر والسلاح كل نافع في الحرب، وتقييده بالأخ المسلم يؤذن بأن من له ذمة أو عهد وأمان ليس كذلك وهو غير مراد لكنه أخف‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن أبي بكرة‏)‏ بسكون الكاف وقد تفتح‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه سويد بن إبراهيم ضعفه النسائي ووثقه أبو زرعة وفيه لين‏.‏ أهـ، ومن ثم رمز المصنف لحسنه‏.‏

716 - ‏(‏إذا صلى أحدكم فليصل صلاة مودع‏)‏ أي إذا شرع في الصلاة فليقبل على الله بشراشيره ويدع غيره لمناجاته ربه، ثم فسر صلاة المودع بقوله ‏(‏صلاة من لا يظن أنه يرجع‏)‏ أي يعود ‏(‏إليها أبداً‏)‏ أي دائماً فإنه إذا استحضر ‏[‏ص 389‏]‏ ذلك كان باعثاً على قطع العلائق والتلبس بالخشوع الذي هو روح الصلاة، ومن أيقن بقدومه على عظيم شديد الانتقام ذي القدرة والكمال فجدير بأن يلازم غاية الأدب، والصلاة صلة العبد بربه فمن تحقق بالصلة لمعت له طوالع التجلي فيخشع ويصلي صلاة مودع، وقد شهد القرآن بفلاح الخاشعين ‏{‏قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون‏}‏ أي خائفون من الله متذللون يلزمون أبصارهم مساجدهم‏.‏ وعلامة ذلك أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً ولا يجاوز بصره محل سجوده‏.‏ وقد صلى بعضهم في جامع فسقطت ناحية منه فاجتمع الناس عليها ولم يشعر‏.‏ فليقبل العبد على ربه ويستحضر بين يدي من هو واقف‏؟‏ وكان مكتوباً في محراب‏:‏ أيها المصلي من أنت‏؟‏ ولمن أنت‏؟‏ وبين يدي من أنت‏؟‏ ومن تناجي‏؟‏ ومن يسمع كلامك‏؟‏ ومن ينظر إليك‏؟‏‏.‏

- ‏(‏فر عن أم سلمة‏)‏ وفي إسناده ضعف لكن له شواهد واقتصاره على الديلمي يؤذن بأنه لم يخرجه أحد من الستة وهو عجب فقد خرجه ابن ماجه من حديث أبي أيوب ورواه الحاكم والبيهقي‏.‏

717 - ‏(‏إذا صلى أحدكم‏)‏ غير صلاة الجنازة ‏(‏فليبدأ بتحميد الله تعالى‏)‏ وفي رواية يبدأ بتحميد ربه سبحانه، وعطف عليه عطف عام على خاص قوله ‏(‏والثناء عليه‏)‏ أي بما يتضمن ذلك، والحمد الثناء بالجميل على جهة التمجيد والتحميد حمداً لله مرة بعد أخرى، والثناء بالفتح والمد‏:‏ فعل ما يشعر بالتعظيم قال بعضهم‏:‏ وأريد به بطلب المحامد هنا التشهد أي ابتداء التشهد بالتحيات ‏(‏ثم ليصل على النبي‏)‏ صلى الله عليه وسلم ‏:‏يريد أن يجعله خاتمة تشهده ‏(‏ثم ليدع‏)‏ ندباً ‏(‏بعد‏)‏ أي بعد ما ذكر ‏(‏بما شاء‏)‏ من دين أو دنيا مما يجوز طلبه، وأصل هذا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ عجل هذا، ثم دعاه فقال‏:‏ إذا صلى أحدكم إلخ، وفيه تعليم الجاهل وذم العجلة والإسراع في الصلاة ووجوب التشهد الأخير والقعود له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كذا استدل به جمع منهم ابن خزيمة وابن حزم، ومن ثم قطع به الشافعي مخالفاً لأبي حنيفة ومالك في قولهما بعدم الوجوب، ونزاع ابن عبد البر وغيره في الاستدلال بأن في سنده مقالاً وبأنه لو كان كذلك لأمر المصلي بالإعادة كما أمر المسيء صلاته‏:‏ رد الأول بأن أربعة من أعلام الحفاظ صححوه‏:‏ الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وقد ورد من طريق آخر أخرجه الحاكم‏.‏ قال الحافظ ابن حجر بإسناد قوي عن ابن مسعود قال يتشهد الرجل ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه، والثاني باحتمال أن يكون ذلك وقع عند فراغه، ويكفي التمسك بالأمر في دعوى الوجوب‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وهذا أقوى شيء يحتج به الشافعي على وجوب الصلاة عليه في التشهد، وفيه جواز الدعاء في الصلاة بديني أو دنيوي لقوله بما شاء‏.‏

- ‏(‏ت حب ك هق عن فضالة‏)‏ بفتح الفاء ‏(‏ابن عبيد‏)‏ بن نافل بن قيس الأنصاري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله إلخ فذكره قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الترمذي حسن صحيح‏.‏

718 - ‏(‏إذا صلى أحكم‏)‏ فرضاً أو نفلاً أي أراد الصلاة ‏(‏فليصل إلى سترة‏)‏ من نحو سارية أو عصى ولو أدق من رمح فإن فقد ما ينصبه بسط مصلى كسجادة فإن لم يجد خط خطاً طولاً وخص من إطلاق السترة ما نهى عن استقباله من آدمي ونحوه ‏(‏وليدن من سترته‏)‏ بحيث لا يزيد وأما بينه وبينها على ثلاثة أذرع وكذا بين الصفين ‏(‏لا يقطع‏)‏ بالرفع على الاستئناف والنصب بتقدير لئلا ثم حذفت لام الجر وأن الناصبة، والكسر لالتقاء الساكنين على أنه جواب الأمر ‏[‏ص 390‏]‏ وهو‏:‏ وليدن ‏(‏الشيطان‏)‏ أي المار‏:‏ سمي شيطاناً لأن فعله فعل الشيطان لإتيانه بما يشوش على المصلي أو لأن الحامل له على ذلك الشيطان، وقيل الشيطان نفسه هو المار والشيطان يطلق حقيقة على الجني ومجازاً على الإنسي المار ومن تعقب ذلك لم يأت بطائل ‏(‏عليه صلاته‏)‏ يعني ينقصها بشغل قلبه بالمرور بين يديه وتشويشه فليس المراد بالقطع البطلان، وفيه تحريم المرور بين يدي المصلي إذا جعل له سترة ومحله إن لم يقصر وإلا كأن وقف بالطريق فلا حرمة بل ولا كراهة كما في الكفاية، ولو صلى بلا سترة أو تباعد عنها أو لم تكن السترة بالنعت المذكور فلا حرمة لتقصيره لكنه خلاف الأولى أو مكروه، وفيه تنبيه على عظمة الصلاة واحترام المصلي لأنه مناج ربه‏.‏

ثبت في الصحيح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الاسطوانة ووقع في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وراء الصندوق وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه، قال ابن حجر‏:‏ والاسطوانة المذكورة حقق بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة الكريمة وأنها تعرف باسطوانة المهاجرين‏.‏ قال وروي عن عائشة أنها قالت‏:‏ لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام وأنها أسرتها إلى ابن الزبير فكان يكثر الصلاة عندها‏.‏

- ‏(‏حم د ن حب ك عن سهيل بن أبي حثمة‏)‏ بفتح المهملة وسكون المثلثة عبد الله وقيل عامر بن ساعدة الأوسي صحابي صغير، قبض المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان، لكنه حفظ عنه، قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي، وقال ابن عبد البر اختلف في إسناده وهو حسن‏.‏

719 - ‏(‏إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر‏)‏ أي سنته ‏(‏فليضطجع‏)‏ ندباً وقيل وجوباً ‏(‏على جنبه الأيمن‏)‏ أي يضع جنبه الأيمن على الأرض، وحكمة الاضطجاع ألا يتوهم أن الصبح رباعية، وكونه على اليمين أن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع عليه استغرق نوماً لكونه أبلغ في الراحة‏.‏ قال العراقي‏:‏ ولا تحصل أصل سنة الاضطجاع بكونه على اليسار بلا عذر ولو لم يمكن فصل بكلام أو تحول‏.‏ وأوجب ابن حزم هذه الضجعة وأبطل الصلاة بتركها وانتصر له في مجلد ضخم وهو من تفرداته وعدها بعضهم بدعة وأنكرها ابن مسعود، وقال النخعي ضجعة الشياطين، وحمل على أنه لم يبلغهما الأمر بفعلها‏.‏

- ‏(‏د ت حب عن أبي هريرة‏)‏ قال الترمذي حسن غريب، وقال ابن القيم باطل إنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر، وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود والترمذي أسانيده صحيحة، وقال غيره إسناد أبي داود على شرط الشيخين‏.‏

720 - ‏(‏إذا صلى أحدكم الجمعة فلا يصلي‏)‏ ندباً ‏(‏بعدها شيئاً‏)‏ يعني لا يصلي سنتها البعدية ‏(‏حتى يتكلم‏)‏ بشيء من كلام الآدميين ويحتمل الإطلاق ‏(‏أو يخرج‏)‏ من محل الجمعة والمراد حتى يفصل بينهما بكلام أو يخرج من محل إقامتها إلى نحو بيته فيندب حينئذ أن يصلي ركعتين أو أربعاً فإن حكمها في الراتبة كالظهر فيما قبلها وبعدها وكالجمعة غيرها من كل فرض ففي أبي داود بسند - قال ابن حجر- منقطع عن المغيرة مرفوعاً‏:‏ لا يصلي الإمام في الموضع الذي يصلي فيه حتى يتحول‏.‏ وروى ابن أبي شيبة بإسناد - قال ابن حجر - عن علي‏:‏ من السنة ألا يتطوع الإمام في الموضع حتى يتحول عن مكانه، وروى ابن قدامة عن أحمد أنه كرهه والمعنى فيه خشية التباس النفل بالفرض فأرشد في الحديث إلى طريق الأمن من الالتباس ‏(‏فإن قيل‏)‏ إذا كان غير الجمعة مثلها فلم خصها‏؟‏ ‏(‏قلت‏)‏ هذا خرج جواباً تعليماً لرجل رآه يصلي عقب الجمعة فليس للتخصيص‏.‏

- ‏(‏طب عن عصمة‏)‏ بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية ‏(‏ابن مالك‏)‏ الأنصاري الخطمي، قال الذهبي كابن الأثير وغلط ابن منده في جعله خثعمياً، رمز المؤلف لضعفه ووجهه أن فيه كما قال الهيتمي وغيره الفضل ابن المختار ضعيف جداً‏.‏

721 - ‏(‏إذا صلى أحدكم‏)‏ أي أراد أن يصلي ‏(‏فليلبس نعليه‏)‏ أي فليصل بهما بدليل رواية البخاري كان يصلي في نعليه ‏[‏ص 391‏]‏ وهو محمول عند الجمهور على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهذا من الرخص لا من المستحبات وذهب بعض السلف إلى أن النعل المتنجسة تطهر بدلكها بالأرض وتصح الصلاة فيها وهو قول قديم للشافعي ومن يرى خلافه أوّله بما ذكر ‏(‏أو ليخلعهما‏)‏ أي ينزعهما وليجعلهما ندباً ‏(‏بين رجليه‏)‏ إذا كانتا طاهرتين أو بعد دلكهما بالأرض على القول به ‏(‏ولا يؤذي‏)‏ ناهية وإثبات حرف العلة إما لغة أو الجزم مقدر وهو خبر بمعنى النهي بهما ‏(‏وغيره‏)‏ وضعهما أمام غيره أو عن يمينه أو يساره، وما ورد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وضع نعليه عن يساره حمل على أنه كان منفرداً وفيه المنع من أذى الآدمي وإن قل التأذي‏.‏

- ‏(‏ك عن أبي هريرة‏)‏ وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه أيضاً أبو داود‏.‏

722 - ‏(‏إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل‏)‏ ندباً ‏(‏بعدها أربعاً‏)‏ ولا يناقضه رواية الركعتين لأن النصين محمولان على الأقل والأكمل كما يصرح به قول التحقيق أنها في ذلك كالظهر وقوله في شرح مسلم‏:‏ كانت صلاته صلى الله عليه وسلم لها أربعاً أكثر تعقبه العراقي بأنه لا دليل له ومذهب الشافعية أنها كالظهر يسن قبلها أربع وبعدها أربع والمؤكد من ذلك ركعتان قبل وركعتان بعد، قال العراقي ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها‏.‏

- ‏(‏حم م ن عن أبي هريرة‏)‏ الدوسي‏.‏

723 - ‏(‏إذا صلى أحدكم فأحدث‏)‏ فيها بمبطل خفي يلحق صاحبه بظهوره خجل ‏(‏فليمسك‏)‏ ندباً ‏(‏على أنفه‏)‏ محدودباً ظهره موهماً أنه رعف ‏(‏ثم لينصرف‏)‏ فيتطهر ستراً على نفسه من الوقيعة فيه وليس ذلك من الكذب القبيح بل من التورية بما هو أحسن ويؤخذ منه لو كان حدثه ظاهراً كما لو لمسته أجنبية بحضرة المصلين أو أكره على وضع بطن كفه على فرج، أو خرج خارجه بصوت تحقق الحاضرون أنه منه أنه لا يسن إمساك أنفه ولا إيهام أنه رعف، وفيه دليل لمن قال بنقض الوضوء بالرعاف، وذهب الشافعية إلى خلافه لأدلة أخرى ‏(‏ليس في الحديث ما يدل على أن الرعاف ناقض للوضوء، بل هو مبطل للصلاة فقط لأنه من طروء النجاسة وإنما يؤمر من رعف في الصلاة بالانصراف منها لغسل ما أصابه من دم الرعاف فقط ولا يجب عليه الوضوء أهـ‏)‏

- ‏(‏ه عن عائشة‏)‏ رمز لحسنه، وإنما لم يصححه لأن فيه عمر بن علي المقدسي، قال ابن عدي اختلط، وقال الذهبي‏:‏ ثقة مدلس‏.‏

724 - ‏(‏إذا صلى أحدكم‏)‏ مكتوبة ‏(‏في بيته‏)‏ أي في محل سكنه ولو نحو خلوة أو مدرسة أو حانوت ‏(‏ثم دخل المسجد‏)‏ يعني محل إقامة الجماعة ‏(‏والقوم يصلون‏)‏ المراد صلى منفرداً في أي موضع كان ولو مسجداً ثم وجد جماعة تقام في أي محل كان ‏(‏فليصل معهم‏)‏ واحدة فإن ذلك مندوب ‏(‏وتكون له نافلة‏)‏ وفرضه الأولى‏.‏ قال النووي‏:‏ ولا يناقضه خبر لا تصلوا صلاة في يوم مرتين‏.‏ لأن معناه لا تجب في يوم مرتين‏.‏ قال أبو زرعة‏:‏ وقضية الخبر لا فرق في الإعادة بين كونها مما تكره الصلاة بعدها بأن تكون صبحاً أو عصراً أو لا وهو كذلك أهـ وما ذكر من أن قضية الخبر جاء مصرحاً به في خبر أبي داود وغيره عن زيد بن الأسود قال شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه الصبح فلما قضى صلاته إذا برجلين لم يصليا معه فقال ما منعكما أن تصليا معنا، قالا‏:‏ صلينا في رحالنا، قال‏:‏ فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجداً فصليا معهم فإنها لكما نافلة‏.‏ فهذا تصريح بعدم الفرق بين وقت الكراهة وغيره، وذهب الحنفية إلى استثناء وقت الكراهة وقالوا هذا الخبر معارض بخبر النهي عن النفل بعد الصبح والعصر وهو مقدم لزيادة قوته لأن المانع مقدم أو يحمل على ما قبل النهي جمعاً بين الأدلة‏.‏

- ‏(‏طب عن عبد الله بن سرجس‏)‏ بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم مدني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه إبراهيم بن ‏[‏ص 392‏]‏ زكريا فإن كان العجلي الواسطي فضعيف وإلا فلم أعرفه أهـ وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه‏.‏

725 - ‏(‏إذا صلت المرأة خمسها‏)‏ المكتوبات الخمس ‏(‏وصامت شهرها‏)‏ رمضان غير أيام الحيض إن كان ‏(‏وحفظت‏)‏ وفي رواية أحصنت ‏(‏فرجها‏)‏ عن الجماع المحرم والسحاق ‏(‏وأطاعت زوجها‏)‏ في غير معصية ‏(‏دخلت‏)‏ لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول ‏(‏الجنة‏)‏ إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحاً أو عفي عنها، والمراد مع السابقين الأولين وإلا فكل مسلم لا بدّ أن يدخل الجنة وإن دخل النار ‏(‏فإن قلت‏)‏ فما وجه اقتصاره على الصوم والصلاة ولم يذكر بقية الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها ‏(‏قلت‏)‏ لغلبة تفريط النساء في الصلاة والصوم وغلبة الفساد فيهن وعصيان الحليل، ولأن الغالب أن المرأة لا مال لها تجب زكاته ويتحتم فيه الحج فأناط الحكم بالغالب وحثها على مواظبة فعل ما هو لازم لها بكل حال والحفظ والصون والحراسة، والفرج يطلق على القبل والدبر لأن كل واحد منفرج أي منفتح‏.‏ وأكثر استعماله عرفاً في القبل‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن أنس‏)‏ باللفظ المذكور‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه رواد بن الجراح وثقه أحمد وجمع وضعفه آخرون، وقال ابن معين‏:‏ وهم في هذا الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح ‏(‏حم عن عبد الرحمن بن عوف‏)‏ لكنه قال بدل‏:‏ دخلت الجنة‏.‏ قيل لها‏:‏ ادخلي من أي أبواب الجنة شئت‏.‏ قال الهيتمي فيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري‏:‏ رواة أحمد رواة الصحيح خلا ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات ‏(‏طب عن عبد الرحمن بن حسنة‏)‏ أخو شرحبيل وحسنة أمهما، لكنه قال بدل وأطاعت زوجها‏:‏ وأطاعت بعلها، وحفظت فرجها، فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه أيضاً ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏

726 - ‏(‏إذا صلوا‏)‏ المؤمنون ‏(‏على جنازة فأثنوا‏)‏ عليها ‏(‏خيراً يقول الرب أجزت شهادتهم فيما يعلمون‏)‏ أي أجزتها فيما علموا به من عمله ‏(‏وأغفر له ما لا يعلمون‏)‏ فإن المؤمنين شهداء الله في أرضه كما أن الملائكة شهداء الله في السماء، والصلاة على الميت توجع لفراقه وفزع إلى الدعاء والله لا يخيب من قصده، ولهذا شرع تلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء رجاء القبول، لأنه إذا تقبل القرآن والصلاة عليه أجاب الدعاء للميت كرماً وفضلاً فغفر له‏.‏

- ‏(‏تخ عن الربيع‏)‏ بضم الراء وفتح الموحدة وشد المثناة تحت كما في أسد الغابة وضبطه المؤلف في مسودته هكذا ‏(‏بنت معوّذ‏)‏ بن عفراء الأنصارية الصحابية، رمز لحسنه وليس ذا منه بحسن، فإن البخاري خرجه من حديث عيسى بن يزيد عن معاذ عن خالد بن كيسان عن الربيع ثم قال البخاري خالد فيه نظر وفي اللسان ذكره العقيلي في الضعفاء، وقال لا يحفظ هذا الخبر عن الربيع، وعيسى بن يزيد هو ابن دانه متروك‏.‏

727 - ‏(‏إذا صليت‏)‏ أي دخلت في الصلاة ‏(‏فلا تبزقن‏)‏ بنون التوكيد وأنت فيها ‏(‏بين يديك‏)‏ وفي رواية أمامك‏:‏ أي جهة القبلة ‏(‏ولا‏)‏ تبزقن ‏(‏عن يمينك‏)‏ زاد في رواية فإن عن يمينك ملكاً‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ يحتمل أن يراد الملك الذي يحضره عند الصلاة للتأييد والالهام والتأمين لأنه زائر والزائر يكرم فوق اللازم كالكاتبين ويحتمل تخصيص صاحب اليمين بالكرامة تنبيهاً على ما بين الملكين من المزية وتمييزاً بين ملائكة الرحمة والعذاب، قيل ويحتمل أن كاتب السيئات يتنحى عنه حال الصلاة لكونه لا دخل له فيها ‏(‏ولكن ابزق تلقاء‏)‏ بكسر الفوقية والمدّ ‏(‏شمالك‏)‏ أي جهته ‏[‏ص 393‏]‏ ‏(‏إن كان فارغاً‏)‏ من آدميّ محترم يتأذى به ‏(‏وإلا‏)‏ بأن لم يكن فارغاً من ذلك ‏(‏فـ‏)‏ ابزق تحت قدمك اليسرى ‏(‏وادلكه‏)‏ أي امرسه بيدك أو برجلك ليدفن في التراب أو الرمل ويغيب أثره وسواء فيما ذكر كله من بالمسجد وغيره لأن البصاق إنما يحرم فيه إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة وأصاب جزءاً من أجزائه دون هوائه سواء من به وخارجه لأن الملحظ التقذير وهو متفق عليه وزعم ‏(‏قوله‏:‏ زعم‏:‏ مصدر مبتدأ‏)‏ حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئاً من أجزائه‏:‏ غير ‏(‏قوله‏:‏ غير‏:‏ خبر المبتدأ‏)‏ معول عليه، وما ذكر من الاكتفاء بالدلك جار على ما كانت المساجد عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من كونها رملية أو ترابية فإن كان المسجد مبلطاً أو مرخماً تعين إخراجه لأن دلكه فيه تقذير له وتقذيره ولو بطاهر حرام‏.‏

- ‏(‏حم عد حب ك عن طارق‏)‏ بالقاف ‏(‏ابن عبد الله المحاربي‏)‏ الصحابي‏.‏

728 - ‏(‏إذا صليت الصبح‏)‏ أي فرغت من صلاته ‏(‏فقل‏)‏ ندباُ عقبها ‏(‏قبل أن تكلم أحداً من الناس اللهم أجرني‏)‏ بكسر الجيم أي أعذني وأنقذني ‏(‏من النار‏)‏ أي من عذابها أو من دخولها قبل ذلك ‏(‏سبع مرات فإنك إن‏)‏ قلته و‏(‏مت من يومك ذلك كتب الله لك‏)‏ أي قدّر أو أمر الملائكة بالكتابة في اللوح أو الصحف ‏(‏جواراً‏)‏ بضم الجيم، وكسرها أفصح كما في الصحاح أي أماناً ‏(‏من النار‏)‏ والمراد نار الآخرة ‏(‏وإذا صليت المغرب‏)‏ أي فرغت من صلاتها ‏(‏فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس‏:‏ اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن‏)‏ قلت ذلك و‏(‏مت من ليلتك كتب الله لك جواراً من النار‏)‏ أي من دخولها إلا تحلة القسم، ثم يحتمل أن ذلك باجتناب الكبائر أخذاً من نصوص أخرى، والجوار‏:‏ الانقاذ، والجار‏:‏ الذي يجير غيره أي يؤمنه، والمستجير‏:‏ الذي يطلب الأمان‏.‏